إن علماء الجرح والتعديل أوجبوا البحث والتحرِّي، والدقة والتروِّي، وعدم التسرُّع في قبول الحكم على الحديث فلم يدخروا جهداً في سبيل المحافظة السنة النبوية، وإبقائها سليمة من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، فوضعوا لذلك منهجاً علمياً متميزاً وفريداً كان هو المعيار الذي توزن به الأخبار، وكان هذا المنهج نتاجاً لجهود عظيمة بذلها أئمة الحديث وحفّاظه من لدن الصحابة إلى أن استقرت قواعده، ورست أركانه، وكان للأئمة الحديث الفضل العظيم في تشييد دعائم هذا المنهج. وقد هيأ الله سبحانه وتعالى رجالا أفذاذا ذادوا عن هذا الدين وحفظوا سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذلك بفضل الإسناد ومعرفة أحوال الرجال تاريخا، ومولدا، ووفاة، وحياة، وصلاحا، وتثبيتا، فبينوا القوي من الضعيف، والصالح من غيره، ونقبوا عن علل الرجال، وخفايا الأمور فكانوا حقا حراسا لهذا الدين القويم فكان لهم الفضل في التنبيه على علل الحديث وتفنيدها. وقد عُدَّ: الإمام محمد بن يوسف الفريابي راوٍ من رواة الحديث الثقات الحافظ العباد شيخ الشام محدث قيسارية روى له البخاري في مواضع كثيرة من الجامع، وقد وقع حديثه عاليا في الصحيح. وروى له مسلم في صحيحه، وأصحاب السنن الأربعة، وغيرهم. وكذلك يعد الحافظ وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازي من أكابر الأئمة الذين تركوا إرثاً كبيراً ولا سيما علم العلل، حتى صاروا عمدة لمن جاء بعدهم، فضلاً عن تعقيباتهم وآرائهم.
|